الأحداث الاستثنائية الأخيرة التي وقعت الأسبوع الماضي، جعلت من تركيا متصدر للأخبار حول العالم.
محاولة الانقلاب التي وقعت الاسبوع الماضي مثلت زلزال ضرب تركيا، وأرسلت موجات من الذعر في جميع أنحاء العالم. فإذا كانت محاولة الانقلاب قد نجحت، فإنه مما لا شك فيه سيكون لها تداعيات هائلة. ليس فقط لتلك البلد المترامي متعدد الثقافات ولا لسكانها البالغ عددهم أكثر من 75 مليون نسمة، ولكن على أوروبا والشرق الأوسط وأمن الغرب.
أما الحقيقة في أن الانقلاب فشل، فهذا لا يعود فقط إلى سوء تخطيط الانقلابيين وعدم وجود اتجاه لهم، انما هو دليل على قوة البلاد وقوة شعبها.
نحن هنا نستعرض الخطوط العريضة للأحداث عن محاولة الانقلاب والاستيلاء على السلطة مع روايات شاهد عيان، ومناقشة الخطوط العريضة عن مستقبل تركيا والخطوة التالية للبلاد.
من يقف وراء الانقلاب؟ :
لقد نظمت محاولة الانقلاب من قبل فصيل داخل الجيش التركي أطلقت على نفسها " مجلس السلام " أو بالتركية " Yurtta Sulh Konseyi ". وأشار هذا المجلس في بيانه عن أسباب انقبلابه أنها تأكل أسس الدولة العلمانية إلى جانب القضاء على الديمقراطية في عهد أردوغان.
وقد اشتبهت الحكومة بحركة غولن، وهي مكونة من اتباع رجل الدين فتح الله غولن الذي يعيش في المنفى الاختياري بالولايات المتحدة الامريكية، وكان موجودا من قبل في تركيا يعمل لفترة طويلة إلى أن تكون له جماعة. ورغم اشتباه الحكومة في الحركة، إلا أن فتح الله غولن نفى بنفسه أي تورط وأدان محاولة الانقلاب.
تطور الأحداث:
في الليلة التي سقت عملية الانقلاب، أي في 16 يوليو، كانت المخابرات التركية قد كشفت عن خطط مجلس اسلام للاستيلاء على السلطة ومن ثم أبلغت بدورها قائد القوات المسلحة التركية، واجتمعوا لينظموا اعمالهم والوحدات العسكرية لوقف المحاولة الانقلابية.
بدأ الانقلابيون محاولتهم مبكرا، وأرسلوا وحدات إلى مركز العمليات الخاصة بالشرطة والوحدات الاخرى ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، بينما أرسلت فرقة أخرى للقضاء على أردوغان في المنتجع الذي يقضي فيه عطلته.
انتشرت الدبابات من قبل الانقلابيين في شوارع اسطنبول وأنقرة، تم غلق الجسور ومنع الناس من المرور. كما قاموا بالاستيلاء على محطات التلفزيون واعتقال بعض المسئولين العسكريين.
وعلى الرغم من أن تلك الاجراءات فشلت فيما بعد، إلا أن الانقلابيين تمكنوا من السيطرة على بعض المناطق. وعلى الرغم أيضا من عدم استمراره لوقت طويل، إلا أنه شهد فقدان المئات من الأرواح والعديد من الإصابات.
الشعب يتصدى:
الانقلابات الأربعة التي مرت بها تركيا والتي كان أقساها في أعوام 1960، 1971، 1980، عانى منها الشعب التركي ورأى معها التداعيات الثقيلة على الدولة وعلى حياتهم اليومية.
وقد نمت تركيا من بلد متخلف وغير مستقر سياسيا إلى دولة مزدهرة ومستقرة. ومع هذا فقد نمت الطبقة الوسطى وعاش الأتراك في رخاء وثروة.
كل هذا يفسر لماذا قام الشعب التركي بالتصدي للانقلاب والتأكيد سياسات أردوغان حتى أحزاب المعارضة، وأغلب الأتراك وضعوا خلافاتهم جانبا ودافعوا بكل قوة عن الديمقراطية ودستور البلاد.
لذلك عندما ظهر أردوغان على شاشة التلفزيون - على قناة سي إن إن التركية عبر فيس تايم - وقام بتويح أن عملية الانقلاب غير قانونية وضد حكومة منتخبة ديمقراطيا، ودعا الناس للنزول إلى الشوارع لمقاومة تلك المحاولة، استمع الشعب التركي فورا وقام بتفعيل تلك الدعوة.
تدفق ملايين الناس إلى الشوارع احتجاجا على أحداث الانقلاب في تلك الليلة وأعلنوا وقوفهم بجوار الديمقراطية، بغ النظر عن انتماءاتهم السياسية.
روايات شاهد عيان: " كما لو كانت ليلة الجمعة قد حدثت في بلد آخر" :
مصطفى- من مكتب اسطنبول لدينا - كان واحدا من بين عدة ملايين من الاتراك شاهدوا بحالة من الصدمة ما بدأت به أحداث ليلة الجمعة.
قبل التاسعة مساء الجمعة، كان من الواضح أن الجيش يحاول القيام بمحاولة انقلاب. انتشرت الصور ومقاطع الفيديو على تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي والتي تبين أن الجيش متمركز على جسر البوسفور. وقبل الثانية عشر منتصف الليل كانوا قد اقتحموا الاذاعة والقنوات التلفزيونية وأجبروا المذيعة بقناة تي أر تي البريطانية على قراءة البيان الخاص بهم تحت تهديد السلاح مطلقين على انفسهم اسم " مجلس السلام ". وشاهدت في حالة من الصدمة مجلس السلام هذا وهو ينشر الدبابات والجنود على الجسور وفي المطارات باسطنبول. ثم قاموا بقصف البرلمان في أنقرة ست مرات. ولحسن الحظ لم يصب أحد بأذى.
ما لم يتوقعه " مجلس السلام " هو رد فعل المدنيين. مكالمة واحدة من الرئيس التركي أردوغان بتث مباشرة على التلفزيون، دعا فيها الشعب لرفض الانقلاب. ومن ثم الملايين نزلوا للشوارع وواجهوا الجنود الانقلابيين. اتجهوا في طريقهم لعشرات الكيلو مترات للوصول إلى الجسور ونزعوا سلاح الجنود. الغريب، أن الجنود استسلموا لهم بشكل سلمي وألقي القبض عيلهم بطيب خاطر. تبين لاحقا أن معظم هؤلاء الجنود كانوا مخدوعين في هذه الخطة، إذ قال لهم رؤوساءهم أنه من المتوقع أن يواجهوا ما يسمى بهجوم الدولة الاسلامية. اللقطات التلفزيونية تظهر بوضوح تشوش الجنود وتسليمهم أنفسهم بصورة سلمية.
وقد قام القادة السياسيين الأتراك والعالميين محاولة الانقلاب تلك من جميع الجوانب، وقالوا كلهم في صوت واحد نقريبا أن الانقلاب لا يمكن أن يحل محل الديمقراطية. قادة الاحزاب الاربعة الرئيسية في تركيا اتفقوا على ذلك.
قبل الثالثة فجرا، كان من الواضح أن الانقلاب مصيره الفشل. فشل الجنود الانقلابيين في السيطرة على قادة الاحزاب الرئيسية، وفشلوا في السيطرة على وسائل الاعلام، والاهم من ذلك فشلوا في تأمين اجماع شعبي.
وحتى صباح السبت، سرت في شوارع الحي الذي أسكن فيه، بدا ولو كأن شيئا لم يكن. الطوابير كانت كما هي في السوبر ماركت والمخابز وأجهزة الصراف الآلي. الناس كانت تتسوق بشكل طبيعي والشواطيء ممتلئة. كانت الحياة في اسطنبول بوضعها الطبيعي بالفعل. حركة المرور كما جرت العادة، مكتظة ووسائل النقل العام مزدحمة. كما لو أن ليلة الجمعة وقعت في بلد آخر.
لماذا فشل الانقلاب؟ :
لقد تم التخطيط للانقلاب وتنفيذه بطريقة سيئة، من الصعب أن ترى كيف يمكن لشخص التورط في هذا، ويعتقد حقا أنها سوف تكون محاولة ناجحة.
1- سوء التخطيط:
لم يكن هناك إعداد سياسي أو أيديولوجي للنقلابيين. وبسبب الاستياء من أردوغان، اعتقد منظموه أنهم سوف يجدوا دعم لأفعالهم. كما أنه لا يوجد أيضا أي رد فعل للثورة، كان رد فعل الجمهور بمواجهة هذا الرعب والوقوف في وجه أي عنف. لا يمكن للمرء أن يرى أي فائدة للانقلاب سوى العودة إلى الايام السابقة من عدم اليقين.
2- العزل السياسي:
أحزاب المعارضة كانت من أكثر المتحمسين بشدة ضد التدخل العسكري. ومن دون هذا الدعم السياسي كان محكوما على المحاولة بالفشل.
3- عدم إلتزام الجنود:
عدد منهم قام بتسليم نفسه سواء لرجال الشرطة أو لجموع المدنيين. الجنود الذي شاركوا كانوا من الرتب المتدنية من الشباب الصغار، والغالبية منهم لم تكن مدركة: الكثير من الجنود تم ارسالهم على انهم في مهمات تدريبية ليكتشف بعد ذلك انها محاولة انقلاب قد تورط فيها. لذا العديد منهم قد هجر مراكزه.
4- عدم وجود اجراءات حاسمة:
كان الانقلابيين غير قادرين على السيطرة على مؤسسات الدولة التي هاجموها، مثل وكالة الايتحبارات. بينما كان رئيس الورزاء ورئيس تركيا آمنين، مما جعل لديهم قدرة على حشد المعارضة.
حالة الطواريء:
أعلن الرئيس التركي أردوغان حالة الطواريء في البلاد لمدة ثلاثة أشهر. السلطات لديها القدرة الان على احتجاز المشتبه بهم دون محاكمة لفترات أطول. وبعد الاعلان عن استقرار الامور المالية والتجارية، يوجد ارتياح في البلاد بأن الامور عادت إلى طبيعتها.
التحقيق مع مرتكبي الانقللاب أدى إلى تسريح ىلآلاف من موظفي الدولة والحكومة وصدرو أكثر من 10 آلاف أمر اعتقال.
قام بتأييد فرض حالة الطواريء نحو ثلاثة أرباع أعضاء البرلمان المكون من 550 مقعدا. مما يدل على ان الحكومة لديها دعم من احزاب المعارضة وكذلك الربع الخاص بها والمؤيد لها.
وما زال الدعم مستمر في الشارع، حيث يتجمع الناسى تقريبا كل مساء لاظهار دعمهم للديمقراطية.
تأثير الانقلاب على أسعار العقارات:
أشار كاميرون ديجين - مدير شركة عقارات تركيا - أن سوق العقارات التركي اجتاز العديد من العواصف في السنوات الاخيرة، بما في ذلك الركود الاقتصادي والاضطرابات الاخيرة. ومع ذلك، يشير إلى تواصل أسعار العقارات في الارتفاع، والسبب بسيط.
أن بلد مثل تركيا، يأتي 95% من جميع عمليات الشراء من خلال الطلب المحلي مما يعني ان الاسعار تتأثر بالطلب. وبحسب قول ديجين: " ومن غير المحتمل أن يكون هناك أي تأثير دائم".
ويكمل ديجين: " الأن في اكبر مدينة في تركيا، الاعمال التجارية مزدهرة، معظم المستثمرين في اسطنبول من الشرق الاوسط ودول الخليج، استعرضوا الاسبوع الماضي على أنه بمثابة طمأنة من سلطة أردوغان" .
يقول ديجين: " احتشاد الشعب خلف الحكومة واحباط محاولة الانقلاب في اربع ساعات فقط، يدل على أن هذه ليست الدولة التي يمكن تقسيمها بسهولة".
ويوافقه في هذا مصطفى من مكتب عقارات تركيا في اسطنبول، موضحا أن الطلب في اسطنبول يقوده ازدهار الطبقة الوسطى، يقول: " الطبقة الوسطى تشكل حاليا نحو 60% من سكان اسطنبول، وهؤلاء المشترين يطلبون عقارات ومجمعات سكنية فاخرة وآمنة وعالية الجودة "
ويكل مصطفى قائلا: "ومن المتوقع أن أماكن مثل كوجك جكمجة، أيوب، غازي عثمان باشا، بهجيشهر سوف تواصل النمو والتطور حيث يطلبها المشترين من خارج اسطنبول نظرا لاسعارها المعقولة ومجمعاتها السكنية عالية الجودة".
ويشير مصطفى: " أنه بالاضافة إلى اسطنبول، فإن اسعار العقارات في المنتجعات الكبرى بتركيا مثل أنطاليا، بودروم، كالكان، فتحية، ليست محتلة عقاريا من قبل الاجانب فقط، بل إن بودروم بها عقارات كثيرة يملكها سكان اسطنبول من الطبقة المتوسطة كمنزل ثان لهم في تركيا "
مستقبل مستقر ومزدهر:
مع معدل نمو قدره 4.5% سنويا منذ عام 2003، وناتج محاي اجمالي متوقع أن يصل إلى تريليوني دولار العام المقبل، تعتبر تركيا أحد أكبر اقتصاديات العالم. ومع وجود مقر المركز المالي الدولي الجديد في آتاشهير عام 2019. من المتوقع أن تصبح اسطنبول مركز لمعاملات الخليج من لندن ودبي. المدينة تتحرك باتجاهها للندن كما لو كانت بنكا في الشرق الاوسط. وهذا من المتوقع أن يتسارع اكثر بحلول 2019.
كما يستطرد مصطفى قائلا: " الوقت الحالي هو المناسب للتفاؤل، إن المستقبل الاقتصادي لتركيا لا يزال مشرق، والان هو الوقت للاستقرار السياسي ليتماشوا معا لتحقيق النمو المذهل ".